راحتـــك في صــــلاتــــك
إن الإنسان لا يكتفي أبدًا بالطعـــام الذي يُقيّم صلبه ويجعله يبقى على قيد الحيـــاة، بل إنه دائمًا ما يتلذذ بكل لقمة من طعامه وينوِّع بين الأطعمة ثمَّ يختم بالحلوى .. وكل ذلك من أجل أن يتلذذ بالطعــام!
فمن باب أولى أن يتلذذ المرء بصلاته، ولا تكون تأديته إياها مجرد إسقاط للفرض وكل همَّه أثناء الصلاة هو موعد إنتهائها ..
فإن كان كل همَّك هو إنقضاء الصلاة والراحة منها، فلا تتساءل بعد ذلك لماذا لا تخشع!!
ولكل قوم طريقتهم الخاصة للإسترخاء وجلب الراحة النفسية، أما نحن فقد وهبنــــا الله عز وجلَّ وسيلة أعظم من كل وســائــل الإسترخــــاء الموجودة بالعالم ..
إنهـــــا الصــــــــلاة ..
لذلك كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يجد راحته في الصلاة، فيقول "أقم الصلاة يا بلال أرحنا بها" [رواه أبو داود وصححه الألباني] .. وكان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا حزبه أمر صلى [رواه أبو داوود وحسنه الألباني] .. وحزبه: أي أحزنه وأغمَّه.
وكل شيء تستعين عليه، إلا الصلاة فإنك تستعين بهـــا .. قال تعالى {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة: 45]
يقول عدي بن حاتم "ما جاء وقت الصلاة إلا وأنا لها بالأشواق" ..
فهل تشتــــاق إلى صلاتك؟!
ولذلك كان السابقون يخشعون في صلاتهم، على خلاف ما نحن عليه الآن .. لإنهم كانوا يحبون الصلاة وينظرون إليها نظرة مختلفة.
لذا عليك أن تُغيِّر نظرتك للصلاة وتتهيأ لها قبل دخولك تكبيرة الإحرام .. كما تتهيأ لأي إختبـــار هــــام في حيـــــاتك ..
استعد لمقــــابلة ملك الملوك جبــــــار السمــــاوات والأرض،،
وقد علَّمنا الله عز وجلَّ كيف نتهيَّأ لصلاتنا .. فعليك أن ..
1) تبدأ في الاستعداد مع الآذان ولا تنتظر الإقامة.
2) توضأ لكل صلاة ولو كنت على طهارة .. لكي يستنير وجهك وتتطهَّر من ذنوبك.
3) هيئ صلاتك بركعتين جميلتين .. تقرأ فيهما بغير حفظك المُعتــاد.
4) احرص على مساواة الصفوف في المسجد .. وبالتأكيد الخشوع في الصف الأول يكون أكثر من الخشوع في الصفوف التي تليه.
5) سلّ نفسك مع كل فعل تفعله استعدادًا للصلاة، لمَ فعلته .. فحينها ستُدرك عِظَم الأمر وتختلف مشاعرك، فيزداد يقينك وإيمانك.
6) ابتعد عن الزخارف لإنها تُشتت إنتباهك.
7) ولا تصلي خلف النائم أو المُتحدث .. فقد نهى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ذلك، فقال " لا تصلوا خلف النائم ولا المتحدث" [رواه أبو داوود وحسنه الألباني]
أغلِّق هاتفك المحمول .. فإن رنين الهاتف يُشتت إنتباه المُصلين ولا يجوز أن تُسمَّع المعازف في بيوت الله عز وجلَّ، كما إنك لن ترد عليه أثناء الصلاة على كل حال.
تهيَّأ لصلاتـــك أخي الكريــــم، فإن الأمر العظيم ويحتاج إلى استعداد عظيم،،
________________________________________
البداية العظيمة للقـــاء الله تعالى
اليوم موعدنـــا مع البداية العظيمة للقــــاء الله تعالى، التي ستنقلك من حالٍ إلى حــــال ومن عالم إلى عالم آخر .. إنهـــا ..
تكبيـــــرة الإحرام
واعلم إنه لا يوجد أي ألفــــاظ تُقـــال قبل تكبيــرة الإحرام ولا تلفُّظ بالنيـــة .. فلا يجوز أن تقول ألفــاظ مثل: اللهم أحسِّن وقوفنا بين يديك أو نوِّيت أن أصلي صلاة كذا ..
فنحن لا نتبع سوى صلاة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .. الذي قال "صلوا كما رأيتموني أصلي.." [متفق عليه]، وقال تعالى {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21] .. فلا يجوز أن نزيد على صلاته شيئًا أو ننقُص.
ولمـــاذا نبدأ الصــلاة بالتكبيــــر دون غيــــره؟
لأن التكبيـــر يستحضِّر القلب .. فإذا ذكَّر العبد نفسه بأن الله عز وجلَّ أكبر من كل ما سواه، فلن يُفكِّر في أي شيء سوى الله تعالى ..
والله أكبـــر تعني .. أن الله تعالى أكبر وأولى وأعظم مما تُفكِّر فيه من الدنيـــا .. ومن كبريائه سبحــانه، أن العبادات الصادرة إليه من أهل السموات والأرض مقصودها تكبيره وتعظيمه ..
فالتكبيـــر هو شعار العبادات العظيمة .. كالصــلاة والآذان والحج وتكبيـــرات العيدين، قال تعالى {.. وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة: 185]
وهو بدايــة للقــــاء الرحمن جلَّ جلاله .. فالله أكبر من همومك وجميع ما يشغل بالك .. إن خِفت ظالمًا فالله أكبر .. وإن نازعتك الدنيــا فالله منها أكبر ..
الله أكبـــر إلى أن يخلو قلبـــك من كل شيء سوى ربـــك الأكبــــر،،
ولهذا جُعِّل التكبير تذكيرًا لك في كل موضع من مواضع الصلاة، لكي لا تسهو .. الله أكبر عند الركوع .. الله أكبر عند النزول للسجود، وبين السجدتين، وحين الرفع من السجـــود.
صفة رفع اليــــد في التكبيــر
كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرفع يديه ممدودة الأصابع لا يُفرِّج بينها ولا يضمها ضمًا شديدًا .. وتارة يرفع مع التكبير وتارة بعد التكبير وتارة قبله .. وكان يرفعهما حذو منكبيه، ولربما رفعهما حتى يُحاذي بهما فروع أذنيه.
فعليك أن تنوِّع بين جميع الصفـــات الواردة .. لأن التنويع بين الصفات الواردة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، سُيعطيك دفعة قوية للخشـــوع .. إنما إن إلتزمت بصفة واحدة على الدوام، فإنك سوف تؤديها بصفة روتينية .. وليس المطلوب منك مجرد تحريك عضلاتك بشكل آلي في الصلاة !!
فسبحان الحكيم الذي علَّم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكثر من صفة لصلاته، لكي تتمتع أمته بأكبر قدر من الخشوع واللذة،،
كما إن التنويع يجعلك تقوم بإحيــــاء سُنة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين الناس .. فيكون لك عظيم الأجر بإذن الله، فقد قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "من أحيا سنة من سنتي فعمل بها الناس كان له مثل أجر من عمل بها لا ينقص من أجورهم شيئا .." [رواه ابن ماجه وحسنه الألباني]
تابعونا لنتعمَّق أكثر مع المعاني العظيمة للتكبيـــر،،
________________________________________
وكبِّرهُ تكبيـــــــــــرا
إن الناس في التكبير على قسمين .. أحدهما: يقولها وقلبه مُستشعِّر لمعانيها، والآخر: يقولها وقلبه مُستغرقٌ في الدنيـــا .. فهذا الذي يبدأ صلاته بالكذب!
فإن لله أكبر معاني عظيمة .. فلا يجوز أن تُفكِّر بشيء سوى الله عز وجلَّ ..
فالله: من إله أي مألوه ومعبود وهو لفظ الجلالة الخاص به سبحانه، ولم يتسمى به أحد سواه.
والتكبيـــر: أي التعظيـــم .. وكبرياء الله سبحانه وتعالى وسلطانه المطلق في كل مكان، قال تعالى {وَلَهُ الْكِبْرِيَاء فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ..} [الجاثية : 37]
فهو الكبير العظيم المستوي على عرشه فوق سابع سماء، أكبر من أن نعرف كيفية ذاته أو أن نعرف كيفية صفاته .. ومن أراد أن يعرف عظمة ربه وكبريائه وصفاته، فلينظر إلى آيات الله الكونية العظيمة التي تُحيط بنا وهي تشهد بعظمة الله عز وجلَّ وتنطق الله أكبر .. لكننا لا نسمع!
ماذا تعني حركة رفع اليد بالتكبير؟
رفع اليد يعني الاستسلام .. فعند رفعك ليدك فإنك تُلقي الدنيا وراء ظهرك وتستسلم لله عز وجلَّ، قال تعالى {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [البقرة: 131]
وحين تلَّفُظَك بالتكبير، تحدث حولك تغيرات جذرية كثيرة ..
أولها: أن ذنوبك تبدأ بالصعود على كتفك .. قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "إن العبد إذا قام يصلي أتي بذنوبه كلها فوضعت على رأسه وعاتقيه فكلما ركع أو سجد تساقطت عنه" [صحيح الجامع (1671)]
والثاني: أن الله عز وجلَّ ينصِّب وجهه لوجهك .. قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "إن الله ينصب وجهه لوجه عبده في صلاته ما لم يلتفت" [رواه الترمذي وصححه الألباني]
ثالثًا: يأتي شيطان اسمه خُنزب تخصصه أن يُفسِد عليك صلاتك .. عن عثمان بن أبي العاص أتى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يلبسها علي، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "ذاك شيطان يقال له خنزب فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه واتفل على يسارك ثلاثا"، قال: ففعلت ذلك فأذهبه الله عني. [رواه مسلم]
رابعًا: تُحرَّم عليك أشياء كانت في الأصل حلالاً .. فلا يجوز الكلام أو الأكل أو التحرك حركة زائدة أو الضحك أو الإبتسام أو أن يرتفع بصرُك إلى الأعلى ..
فإن رفعت بصرك في الصلاة فقد يذهب .. قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "لينتهين أقوام عن رفع أبصارهم عند الدعاء في الصلاة إلى السماء أو لتخطفن أبصارهم" [رواه النسائي وصححه الألباني]
ولا تحِّل لك هذه الأشياء مرة أخرى، إلا بعد التسليم .. قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم" [رواه أبو داود وحسنه الألباني]
فإذا دخلت في التكبير .. فهذه هي اللحظة المُرتقبة التي كنت تتهيأ لها منذ أن ناداك ربك قائلاً: حي على الصلاة .. حي على الفلاح ..
فينبغي أن يختلف شعورك عما كان عليه قبل التكبير .. فتشعر بالهيبة والرهبة، لإنك الآن بين يدي الملك سبحانه وتعالى .. وعندما سُأل الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الإحســان، قال "أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك" [رواه مسلم] .. وهكذا ينبغي أن تكون.
أما إذا التفت ..
يقول ابن القيم "ولا يزال الله مقبلاً على عبده ما دام العبد مقبلاً على صلاته، فإذا التفت بقلبه أو بصره أعرض الله تعالى عنه .. وقد سئل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن التفات الرجل في صلاته فقال "إنما هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد" [رواه أبو داوود وصححه الألباني] .. وفي أثر يقول الله تعالى: إلى خير مني؟ إلى خير مني؟"
لا والله ياربِّ لا يوجد من هو خير منك .. سبحـــانك ما عبدنــــاك حق عبــــادتك
أيُّ حياء وأيُّ وجه نلقى الله عز وجلَّ به بعد هذا كله؟
يقول الله جلَّ وعلا {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا} [الإسراء: 111]
________________________________________
ذل العبد لمولاه في الصلاة
ذل العبد لمولاه في الصلاة
بعد أن إنتهينــا من التكبير، بنا نبدأ في الصلاة .. وعليك أن تكون مُطأطأ الرأس في صلاتك، لأن هذه هي الوقفة التي تليق بالعبد بين يدي سيده .. يقول ابن القيم "ينبغي للمصلي أن يقف ناكس الرأس مطرقا إلى الأرض"
وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى طأطأ رأسه ورمى ببصره نحو الأرض [صفة الصلاة (89)]
فعليك أن تنظر إلى موضع سجودك .. لأن هذه علامة الإجلال والخضوع للمحبوب، يقول ابن القيم في روضة المحبين "ومن علامات المحبة: إغضاؤه عند نظر محبوبه إليه ورميه بطرفه نحو الأرض وذلك من مهابته له وحيائه منه وعظمته في صدره"
فإن الله تعالى ينظر إليك في الصلاة .. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "فإذا صليتم فلا تلتفتوا فإن الله ينصب وجهه لوجه عبده في صلاته ما لم يلتفت" [رواه الترمذي وصححه الألباني]، وقال صلى الله عليه وسلم "لا يزال الله مقبلا على العبد في صلاته ما لم يلتفت فإذا صرف وجهه انصرف عنه" [رواه أحمد وحسنه الألباني]
والانصراف يكون على نوعين: انصراف البصر وهو الالتفات، وانصراف القلب وهو السرحــــان .. يقول ابن القيم "ولهذا يستهجن الملوك من يخاطبهم وهو يحد النظر إليهم بل يكون خافض الطرف إلى الأرض، قال الله تعالى مخبرًا عن كمال أدب رسوله في ليلة الإسراء {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى} [النجم: 17] .. وهذا غاية الأدب، فإن البصر لم يزغ يمينا ولا شمالا ولا طمح متجاوزًا إلى ما هو رائيه ومقبل عليه"
تابع.........